تحقيقات وتقاريرمقالات

صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (4)

مؤتمر الجابية يفسح الطريق لمروان

كان مروان بن الحكم من دهاة بني أمية وشجعانهم، وكان أصغر من ابن الزبير بأربعة شهور وهناك روايات تقول إنه كان اصغر بعامين، وبعد موت معاوية بن يزيد الذي كان يكني بأبي ليلي، شعر مروان أن الوقت قد حان ليعتلي سدة الحكم فقال بعد موت معاوية الثاني:

إني أري فتنة تغلي مراجلها .. والملك بعد أبي ليلي لمن غلبا

وهذا ما وقع بالفعل، فقد حدث صراع علي الملك وكاد أن يحسمه عبدالله بن الزبير الذي بايعته معظم الولايات الإسلامية وجزء كبير من الشام، لكن بعض الأخطاء التي إرتكبها فتحت الطريق للبيت المرواني ليقبض علي زمام الأمور.

من أبرز هذه الأخطاء طرد بني أمية من المدينة، فتوجهوا جميعا إلي الشام معقل قوتهم منذ عشرات السنين، فقد كان معاوية رضي الله عنه أميرا علي الشام 20 سنة وخليفة 20 سنة أخري، وبعده جاءت خلافة إبنه يزيد.

كل هذه المدة الزمنية الطويلة جعلت لبني أمية رصيدا كبيرا عند أهل الشام، خاصة أن دمشق أصبحت حاضرة الخلافة الإسلامية، مايعني مزيدا من النفوذ والوجاهة لأهل الشام لأنهم أصبحوا عماد دولة الخلافة وأهم أركانها.

والخطأ الثاني أن ابن الزبير جعل حاضرة خلافته مكة، وهي مدينة فقيرة الموارد لا تجعل صاحبها يقف علي أرض صلبة في الظروف الصعبة والأزمات، كما أنه كان مكتفيا برد الفعل وهو رجل الحرب والمعروف بالشجاعة وشدة البأس، لكنه لم يفكر في التضييق علي البيت المرواني في بداية سيطرته علي الأمور في الشام، ولم يكن هذا الأمر صعبا خاصة أن معظم الولايات الإسلامية كانت تدين له بالولاء، وهو من بيت له تاريخ وبلاء وسابقة في الإسلام ويكفيه ان أباه هو الزبير بن العوام حواريّ ر

سول الله صلي الله عليه وسلم وابن عمته، وأمه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

كما أن عبدالله كان في ذلك الوقت شيخا عركته السنون والتجارب فقد كان في الرابعة والستين من عمره، لكن لحظات التاريخ المفصلية لا تتحمل أي أخطاء، لأن ثمنها يكون ضياع كل شيء وهو ما حدث بعد ذلك خلال سنوات قلائل.

وفي الجانب المقابل كان مروان يستغل كل فرصة تتاح له.

وفي كتابه الأمير الثائر عبدالله بن الزبير، إعتبر الدكتور بدوي مطر أن مؤتمر الجابية بسوريا عام 64 هجريا هو الذي حسم الأمر لمروان في الصراع علي الملك من بين أجنحة البيت الأموي.

ويبدو أن أهل الشام الذين عارضوا ابن الزبير واجتمعوا بالجابية قد ذهبوا إلى أن بيعة أهل الشوكة والقوة من عاصمة الخلافة (كانت دمشق عاصمة الخلافة في ذلك الوقت) ملزمة لبقية الأقطار كلها، وعلى الآخرين أن يسلموا لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء، وقد نسب ابن حزم هذا الرأي لأهل الشام قائلاً: كانوا قد ادعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام.

(معني كلام الإمام إبن حزم أن مروان وابنه عبدالملك كانا خوارج علي الخليفة الشرعي عبدالله بن الزبير، والدماء التي سالت يتحملان مسئوليتها أمام الله، ويحاسبان عليها يوم القيامة )

نعود إلي مؤتمر الجابية الذي حضره العديد من زعماء الشام مثل حسان بن مالك بن بحدل الكلبي وكان من قادة معاوية في معركة صفين، والحصين بن نمير السكوني قائد جيش الشام الذي حاصر مكة قبل هلاك يزيد بن معاوية، ووروح بن زنباع الجذامي صاحب شرطة عبدالملك بن مروان فيما بعد ومستشاره، ومالك بن هبيرة السكوني، وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وعبد الله بن عضاة الأشعري، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة والمعارضة لابن الزبير.

وكانت الأسماء المطروحة للخلافة من البيت الأموي مروان بن الحكم وخالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد، واستقر الرأي علي مروان لأنه شيخ بني أمية في زمنه وصاحب خبرات إدارية ولديه مكر وشجاعة ودهاء.

وكل هذه الأمور كانت مهمة فيمن يترشح للمنصب الأول في الدولة في ساعات الإضطراب والفتن وعدم الإستقرار، علي أن يكون ولي عهده هو خالد بن يزيد ثم عمرو بن سعيد.

ولم يمتنع مروان عن تقديم امتيازات لقبائل كلب وكندة لكي يستميلهم، وكانت له اتفاقات سرية مع بعض الزعماء، مما كان له الأثر الكبير في كسب المؤيدين له، فمروان خطط واستطاع بكل الوسائل الوصول إلى الحكم في بلاد الشام رغم الظروف الصعبة آنذاك.

فماهي خطط مروان لإحكام قبضته علي الشام ومواصلة طريقه ومواجهة إبن الزبير بعد ذلك؟

نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله .

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى